الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال ابن عيينة: إنها أوحش المواطن.{واذكر} يا محمد {في الكتاب} القرآن {مَرْيَمَ} أي اقرأ عليهم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها {إِذْ} بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه {انتبذت مِنْ أَهْلِهَا} أي اعتزلت {مَكَانًا} ظرف {شَرْقِيًا} أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أو من دارها معتزلة عن الناس.وقيل: قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض {فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَابًا} جعلت بينها وبين أهلها حجابًا يسترها لتغتسل وراءه {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف، وإنا سمي روحًا لأن الدين يحيا به وبوحيه {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا} أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمى شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر {سَوِيًّا} مستوى الخلق.وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه {قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك.{قَالَ} جبريل عليه السلام {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به {لأَِهَبَ لَكِ} بإذن الله تعالى، أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع {ليهب لك} أي الله: أبو عمرو ونافع.{غلاما زَكِيًّا} ظاهرًا من الذنوب أو ناميًا على الخير والبركة.{قَالَتْ أنّى} كيف {يَكُونُ لِي غلام} ابن {وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ} زوج بالنكاح {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين، والبغي فعول عند المبرد (بغوي) فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت العين إتباعًا ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في (امرأة صبور وشكور) وعند غيره هي (فعيل) ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى (مفعولة) وإن كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل {إن رحمة الله قريب} [الأعراف: 56] {قَالَ} جبريل {كذلك} أي الأمر كما قلت: لم يمسسك رجل نكاحًا أو سفاحًا {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي إعطاء الولد بلا أب عليَّ سهل {وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ} تعليل معلله محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك، أو هو معطوف على تعليل مضمر أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهانًا على قدرتنا {وَرَحْمَةً مّنَّا} لمن أمن به {وَكَانَ} خلق عيسى {أَمْرًا مَّقْضِيًّا} مقدرًا مسطورًا في اللوح فلما أطمأنت إلى قوله دنا منها فنفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى بطنها {فَحَمَلَتْهُ} أي الموهوب وكانت سنها ثلاث عشرة سنة أو عشرًا أو عشرين {فانتبذت بِهِ} اعتزلت وهو في بطنها، والجار والمجرور في موضع الحال، عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانت مدة الحمل ساعة واحدة كما حملته نبذته.وقيل: ستة أشهر.وقيل: سبعة.وقيل: ثمانية: ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى.وقيل: حملته في ساعة ووضعته في ساعة {مَكَانًا قَصِيًّا} بعيدًا من أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللائمة.{فَأَجَاءهَا} جاء بها. وقيل: ألجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، ألا تراك لا تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد {المخاض} وجمع الولادة {إلى جِذْعِ النخلة} أصلها وكان يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخلة معروفة وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه حرسة النفساء أي طعامها.ثم {قَالَتْ} جزعًا مما أصابها {ياليتنى مِتُّ قَبْلَ هذا} اليوم {مِتُّ} مدني وكوفي غير أبي بكر، وغيرهم: بالضم.يقال: مات يموت ومات يمات {وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} شيئًا متروكًا لا يعرف ولا يذكر. بفتح النون: حمزة وحفص، بالكسر: غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه أن يطرح وينسى لحقارته {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} {مَن} أي الذي تحتها ف {من} فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنِه كان بمكان منخفض عنها، أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها من تحت ذيلها.{من تحتها} مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل مضمر وهو عيسى عليه السلام، أو جبريل والهاء في {تحتها} للنخلة. ولشدة ما لقيت سليت بقوله: {أَلاَّ تَحْزَنِى} لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس و أن بمعنى أي {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ} بقربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري جري وإن أمرته أن يقف وقف {سَرِيًّا} نهرًا صغيرًا عند الجمهور، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السري فقال: هو الجدول.وعن الحسن: سيدًا كريمًا يعني عيسى عليه السلام. وروي أن خالد بن صفوان قال: له إن العرب تسمي الجدول سريًا فقال الحسن: صدقت ورجع إلى قوله. وقال: ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها {وَهْزِّي} حركي {إِلَيْكَ} إلى نفسك {بِجِذْعِ النخلة} قال أبو علي: الباء زائدة أي هزي جذع النخلة.{تساقط عَلَيْكِ} بإدغام التاء الأولى في الثانية: مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر، والأصل تتساقط بإظهار التاءين {وتساقط} بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين: حمزة.و{يساقط} بفتح الياء والقاف وتشديد السين: يعقوب وسهل وحماد ونصير.و{تساقط} حفص من المفاعلة.و{تُسقِطْ} و{يُسقِطْ} وتَسقُطْ ويَسقُطْ التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراءات {رُطَبًا} تمييز أو مفعول به على حسب القراءة {جَنِيًّا} طريًا وقالوا: التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت.وقيل: ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل {فَكُلِى} من الجني {واشربى} من السري {وَقَرّى عَيْنًا} بالولد الرضي و{عينا} تمييز أي طيبي نفسًا بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك {فَإِمَّا} أصله إن ما فضمت إن الشرطية إلى ما وأدغمت فيها {تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَدًا فَقُولِى إِنّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْمًا} أي فإن رأيت آدميًا يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتًا وإمساكًا عن الكلام، وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب.وقيل: صيامًا حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان إلتزامُه إلتزامَه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخًا فينا.وإنما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرىء به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء، وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قُدعَ سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض.وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلامًا وقولًا ألا ترى أن قول الشاعر في وصف القبور:
وقيل: كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق {فَلَنْ أُكَلّمَ اليوم إِنسِيًّا} آدميا.{فَأَتَتْ بِهِ} بعيسى {قَوْمَهَا} بعد ما طهرت من نفاسها {تَحْمِلُهُ} حال منها أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها {قَالُواْ يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} بديعًا عجيبًا والفري القطع كأنه يقطع العادة {يَاأُخْتَ هارون} وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل، أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحدًا منهم، أو رجل صالح أو طالح من زمانها شبهوها به في الصلاح أو شتموها به {مَا كَانَ أَبُوكِ} عمران {امرأ سَوْء} زانيًا {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ} حنة {بَغِيًّا} زانية {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إلى عيسى أن يجيبهم وذلك أن عيسى عليه السلام قال لها: لا تحزني وأحيلي بالجواب علي. وقيل: أمرها جبريل بذلك. ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا و{قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ} حدث ووجد {في المهد} المعهود {صَبِيًّا} حال {قَالَ إِنّى عَبْدُ الله} ولما أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله لها اللسان الساكت حتى اعترف بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم، روي أنه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع {إني عبد الله} وفيه رد لقول النصارى {آتانيالكتاب} الإنجيل {وَجَعَلَنِى نَبِيًّا} روي عن الحسن أنه كان في المهد نبيًا وكلامه معجزته. وقيل: معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد.{وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} نفاعًا حيث كنت أو معلمًا للخير {وَأَوْصَانِى} وأمرني {بالصلاة والزكاة} إن ملكت مالًا.وقيل: صدقة الفطر أو تطهير البدن، ويحتمل وأوصاني بأن آمركم بالصلاة والزكاة {مَا دُمْتُ حَيًا} نصب على الظرف أي مدة حياتي {وَبَرًّا بِوَالِدَتِى} عطفًا على {مباركًا} أي بارًا بها أكرمها وأعظمها {وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا} متكبرًا {شَقِيًّا} عاقًا {والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} {يوم} ظرف والعامل فيه الخبر وهو {علي} {وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} أي ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلي إن كان حرف التعريف للعهد، وإن كان للجنس فالمعنى وجنس السلام علي، وفيه تعريض باللعنة على أعداء مريم وابنهالأنه إذا قال: وجنس السلام على، وفيه تعريف باللغة على أعداء مريم وابنها لأنه إذا قال وجنس السلام عليّ، فقد عرض بأن ضده عليكم إذ المقام مقام مناكرة وعناد فكان مئنة لمثل هذا التعريض. اهـ. .قال البيضاوي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.{كهيعص} أمال أبو عمرو الهاء لأن ألفات أسماء التهجي ياءات وابن عامر وحمزة الياء، والكسائي وأبو بكر كليهما، ونافع بين بين ونافع وابن كثير وعاصم يظهرون دال الهجاء عند الذال، والباقون يدغمونها.{ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} خبر ما قبله إن أول السورة أو بالقرآن، فإنه مشتمل عليه أو خبر محذوف أي: هذا المتلو {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ}، أو مبتدأ حذف خبره أي فيما يتلى عليك ذكرها، وقرئ {ذِكْرُ رَحْمَةِ} على الماضي و{ذكر} على الأمر. {عَبْدَهُ} مفعول الرحمة أو الذكر على أن الرحمة فاعله على الاتساع كقولك: ذكرني جود زيد. {زَكَرِيَّا} بدل منه أو عطف بيان له.{إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} لأن الإِخفاء والجهر عند الله سيان، والإِخفاء أشد إخباتًا وأكثر إخلاصًا أو لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر، أو لئلا يطلع عليه مواليه الذين خافهم، أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته. واختلف في سنه حينئذ فقيل ستون، وقيل سبعون، وقيل خمس وسبعون، وقيل خمس وثمانون، وقيل تسع وتسعون.{قَالَ رَبِّ إِنّى وَهَنَ العظم مِنّى} تفسير للنداء والوهن الضعف، وتخصيص العظم لأنه دعامة البدن وأصل بنائه ولأنه أصلب ما فيه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن وتوحيده لأن المراد به الجنس، وقرئ و{هن} و{وهن} بالضم والكسر ونظيره كمل بالحركات الثلاث. {واشتعل الرأس شَيْبًا} شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوه في الشعر باشتعالها، ثم أخرجه مخرج الاستعارة وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة، وجعله مميزًا إيضاحًا للمقصود، واكتفى باللام على الإِضافة للدلالة على أن علم المخاطب بتعين المراد يغني عن التقييد. {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} بل كلما دعوتك استجبت لي وهو توسل بما سلف معه من الاستجابة، وتنبيه على أن المدعو له وإن لم يكن معتادًا فإجابته معتادة، وأنه تعالى عوده بالإِجابة وأطمعه فيها، ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطمعه.{وَإِنِّي خِفْتُ الموالى} يعني بني عمه وكانوا أشرار بني إسرائيل، فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته ويبدلوا عليهم دينهم. {مِن وَرَائِى} بعد موتي، وعن ابن كثير بالمد والقصر بفتح الياء وهو يتعلق بمحذوف، أو بمعنى {الموالى} أي خفت فعل الموالي من ورائي، أو الذين يلون الأمر من ورائي. وقرئ {خفت الموالي من ورائي} أي قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعدي، أو خفوا ودرجوا قدامي، فعلى هذا كان الظرف متعلقًا ب {خِفْتُ}. {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا} لا تلد. {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ} فإن مثله لا يرجى إلا من فضلك وكمال قدرتك، فإني وامرأتي لا نصلح للولادة. {وَلِيًّا} من صلبي.{يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ} صفتان له وجزمهما أبو عمرو والكسائي على أنهما جواب الدعاء، والمراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورثون المال. وقيل يرثني الحبورة فإنه كان حبرًا، ويرث من آل يعقوب الملك، وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام. وقيل يعقوب كان أخا زكريا أو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليه السلام. وقرئ {يرثني وارث آل يعقوب} على الحال من أحد الضميرين، وأو {يرث} بالتصغير لصغره، ووارث من آل يعقوب على أنه فاعل {يَرِثُنِى} وهذا يسمى التجريد في علم البيان لأنه جرد عن المذكور أولًا مع أنه المراد. {واجعله رَبِّ رَضِيًّا} ترضاه قولًا وعملًا.{يازكريا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بغلام اسمه يحيى} جواب لندائه ووعد بإجابة دعائه وإنما تولى تسميته تشريفًا له. {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} لم يسم أحد بيحيى قبله، وهو شاهد بأن التسمية بالأسامي الغريبة تنويه للمسمى. وقيل سميًا شبيهًا كقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} لأن المتماثلين يتشاركان في الاسم، والأظهر أنه أعجمي وإن كان عربيًا فمنقول عن فعل كيعيش ويعمل. وقيل سمي به لأنه حيي به رحم أمه، أو لأن دين الله حيي بدعوته.{قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِى غلام وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيًّا} جساوة وقحولًا في المفاصل، وأصله عتو وكقعود فاستثقلوا توالي الضمتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الأولى ياء، ثم قلبت الثانية وأدغمت وقرأ حمزة والكسائي وحفص {عِتِيًّا} بالكسر، وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافًا بأن المؤثر فيه كمال قدرته وأن الوسائط عند التحقيق ملغاة ولذلك: {قَالَ} أي الله تعالى أو الملك المبلغ للبشارة تصديقًا له. {كذلك} الأمر كذلك، ويجوز أن تكون الكاف منصوبة ب {قَالَ} في: {قَالَ رَبُّكَ} وذلك إشارة إلى مبهم يفسره. {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} ويؤيد الأول قراءة من قرأ {وَهُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ} أي الأمر كما قلت، أو كما وعدت وهو على ذلك يهون علي، أو كما وعدت وهو عليّ هين لا أحتاج فيما أريد أن أفعله إلى الأسباب، ومفعول قال الثاني محذوف. {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} بل كنت معدومًا صرفًا، وفيه دليل على أن المعدوم ليس بشيء، وقرأ حمزة والكسائي {وقد خلقناك}.{قَالَ رَبِّ اجعل لِّى ءَايَةً} علامة أعلم بها وقوع ما بشرتني به. {قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} سَوِيُّ الخَلْقِ ما بك من خرس ولا بكم، وإنما ذكر الليالي هنا والأيام في (آل عمران) للدلالة على أنه استمر عليه المنع من كلام الناس والتجرد للذكر والشكر ثلاثة أيام ولياليهن.{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب} من المصلى أو من الغرفة. {فأوحى إِلَيْهِمْ} فأومأ إليهم لقوله: {إِلاَّ رَمْزًا}. وقيل كتب لهم على الأرض. {أَن سَبِّحُواْ} صلوا أو نزهوا ربكم. {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} طرفي النهار، ولعله كان مأمورًا بأن يسبح ويأمر قومه بأن يوافقوه، و{أَن} تحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون مفسرة.
|